واشنطن – شكّل هذا الشهر ذكرى 15 سنة منذ توقيع إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، الذي أطلق عملية أوسلو وأملاً جديداً للشرق الأوسط. جرى تجاهل الذكرى السنوية هذه بشكل واسع، وقد غطتها الجولات الأخيرة من الشكوك السياسية والتحولات الكبيرة في كل من إسرائيل (حيث أنتخب حزب كاديما الحاكم تزيبي ليفني زعيمة جديدة له) وفي المناطق الفلسطينية. بالتأكيد لم يكن هناك سبب كبير للاحتفالات أو المناسبات. آخر تقمص لروح أوسلو، أي الجهود في أنابوليس، آخذة في التوجه مترنحة نحو موعد آخر لسلام لم يجرِ تحقيقه، في نهاية عام 2008.
يشكل الفشل في أنابوليس هذا "لحظة أخرى من قرب الوصول" في عملية صحيحة من حيث الأساس، عانت من انعدام النجاح من حيث التوقيت الزمني والسياسة والشخصيات وببساطة من الحظ السيء. يقوم البعض بالإعراب عن فقدان الأمل – لن يكون هناك سلام في الأراضي المقدسة، حل الدولتين مجرد حلم، والأفضل الانتقال إلى ما هو أكثر وعداً. يقوم آخرون من أصحاب النفوس المتناقضة بالتعلق بخطط بديلة بحل الدولتين، بل يقوم البعض بعروض جميلة على برمجيات الحاسوب، إلا أن أياً منها لا يبدو عرضة للقبول، دعك من الحصول على دعم غالبية بين الجمهورين.
يبقى حل الدولتين الخيار الوحيد الذي يحوز على احتمالات حقيقية بالبقاء في أوساط الإسرائيليين والفلسطينيين. قد يكون ممكن التحقيق، ولكن بعد 15 سنة، من العدل أن نقول، على الأرجح، أن نموذج أوسلو لن يشكل المعادلة للوصول إلى هناك.
يبقى إطار عملية السلام الذي أورثته أوسلو صامداً حتى يومنا هذا. إلا أنه يعاني من عيوب هيكلية شديدة، أولها أن الأطراف، كجزء من العملية التدريجية، يمكنهم بناء الثقة حول قضايا مثل المستوطنات أو الأمن دون تحديد اللعبة النهائية فعلياً. المستقبل غير معروف والحاضر عدائي، وليس من المستغرب أن النتيجة ليست هي علاقة ثقة.
ثانياً، المفهوم السائد بأن مؤسسات الدولة يمكن بناؤها، وأن الاقتصاد الفلسطيني الناشئ يمكنه أن يزدهر وبأن باستطاعة السلطة الفلسطينية الموازنة بين المصداقية المحلية وكونها مقاول إسرائيلي لحفظ الأمن، وجميعها تحت ظروف من الاحتلال المستمر والعدائي الأجنبي. وهذا أمر لن ينجح.
ثالثاً، بدأت أوسلو حياتها كعملية تفاوضية ثنائية إسرائيلية فلسطينية (كان النرويجيون مضيفين ممتازين وفاعلين، ولكنهم لم يكونوا فاعلين في عقد صفقة). إلا أنه عندما يعود الأمر إلى الوصول إلى نتيجة نهائية حول الأمور الصعبة، مثل الحدود النهائية وكيفية تقسيم القدس ولغة بارعة حول موضوع اللاجئين، من المستبعد أن تستطيع الأطراف، بسبب الأحمال السياسية الثقيلة التي تحملها، أن تفعل ذلك وحدها. إلا أن أحداً لم يستطع أن يحمل الأطراف بنشاط عبر خط النهاية.
وأخيراً كانت أوسلو وما أنتجته من جهود السلام زائدة في آمالها في تحقيق صفقة إسرائيلية فلسطينية بمعزل عن التطورات الإقليمية الأوسع في الشرق الأوسط. لدى مسار سوريا أثره، وتشكل إدارة إيران عاملاً هاماً، كما هو شعور دول الخليج وغيرها من الدول العربية السنية. لم يكن هناك جهد إقليمي شامل بقيادة الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي.
أضف إلى ذلك كله أن إطار أوسلو القائم كان مجهزاً بطريقة سيئة للتعامل مع ظهور سياسة ديمقراطية متعددة الأحزاب في فلسطين. ليس بالضرورة أن يعني الفوز السياسي لحماس نهاية حل الدولتين، ولكن يمكن للأسلوب الذي أُديرت فيه قضية حماس أن يعطي هذه النتيجة.
أشركت إدارة الرئيس بوش من خلال جهودها في أنابوليس عدداً زائداً من هذه المعوقات المتأصلة هيكلياً. سوف تكون تجربة وإغراءات الحكومة الأميركية الجديدة محاولة سنة سادسة عشرة جديدة، ومن ثم سنوات أخرى من التوجه نفسه. قد تأتي إدارة جديدة بحماسة أعظم وطاقة أشد، وقد تقوم حتى بتعيين مبعوث، إلا أن النتائج سوف تكون على الأرجح عادية مثل كونها غير مشجعة، في غياب تعديل هيكلي رئيسي. تعاني عملية أوسلو في سنوات مراهقتها هذه من قانون المردود المتلاشي، حيث يجري استهلاك الثقة مع كل تحول غير ناجح، وتلطيخ البراغماتية وزيادة تمسّك التشاؤم المتهكم.
يحافظ حل الدولتين على مرونة وصمود ودعم شعبي له قيمته، لولا انعدام جاذبيته وانعدام البدائل الجذابة. إلا أنه حتى هذه المرونة لا يمكنها الصمود أمام المزيد من الفشل والنكسات، الأمر الذي يترك إسرائيل وحليفها الأمريكي والفلسطينيين والمنطقة كلها بشكل محتمل دون حلول متوسطة المدى يمكن تحقيقها.
بعد 15 سنة هناك حلول أصبحت ملحّة وضرورية وكاد وقتها أن ينفذ: الحدود النهائية ضرورية (لا تعمل الحلول المستدامة وبناء المؤسسات الفلسطينية تحت الاحتلال). سوف تتطلب الحلول توجهاً شمولياً على مستوى المنطقة (خاصة مع سوريا وحماس)، ويتوجب على سحب الاحتلال فعلياً أن يبدأ من الأمام، مع توفير ضمانات إقليمية ودولية أمنية لإسرائيل، تتجسد بوجود فعلي للقوات العسكرية. ويمكن لذلك كله أن يدار من الخارج، ومن قبل الولايات المتحدة. قد يكون استيعاب هذا الواقع والتصرف بناء عليه الأسلوب الوحيد على الأرجح لتطبيق رؤية أوسلو المتلاشية لحل الدولتين.
###
* دانيال ليفي زميل كبير ومدير Prospects for Peace في مؤسسة القرن Century Foundation وقد عمل في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي كمستشار خاص في إدارة إيهود باراك وكان عضواً في الوفد الإسرائيلي الرسمي المفاوض في محادثات أوسلو ب وطابا، والكاتب الإسرائيلي الرئيسي لمبادرة جنيف. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من Prospects for Peace.
مصدر المقال: Prospects for Peace، 29 أيلول/سبتمبر 2008
www.prospectsforpeace.com
يشكل الفشل في أنابوليس هذا "لحظة أخرى من قرب الوصول" في عملية صحيحة من حيث الأساس، عانت من انعدام النجاح من حيث التوقيت الزمني والسياسة والشخصيات وببساطة من الحظ السيء. يقوم البعض بالإعراب عن فقدان الأمل – لن يكون هناك سلام في الأراضي المقدسة، حل الدولتين مجرد حلم، والأفضل الانتقال إلى ما هو أكثر وعداً. يقوم آخرون من أصحاب النفوس المتناقضة بالتعلق بخطط بديلة بحل الدولتين، بل يقوم البعض بعروض جميلة على برمجيات الحاسوب، إلا أن أياً منها لا يبدو عرضة للقبول، دعك من الحصول على دعم غالبية بين الجمهورين.
يبقى حل الدولتين الخيار الوحيد الذي يحوز على احتمالات حقيقية بالبقاء في أوساط الإسرائيليين والفلسطينيين. قد يكون ممكن التحقيق، ولكن بعد 15 سنة، من العدل أن نقول، على الأرجح، أن نموذج أوسلو لن يشكل المعادلة للوصول إلى هناك.
يبقى إطار عملية السلام الذي أورثته أوسلو صامداً حتى يومنا هذا. إلا أنه يعاني من عيوب هيكلية شديدة، أولها أن الأطراف، كجزء من العملية التدريجية، يمكنهم بناء الثقة حول قضايا مثل المستوطنات أو الأمن دون تحديد اللعبة النهائية فعلياً. المستقبل غير معروف والحاضر عدائي، وليس من المستغرب أن النتيجة ليست هي علاقة ثقة.
ثانياً، المفهوم السائد بأن مؤسسات الدولة يمكن بناؤها، وأن الاقتصاد الفلسطيني الناشئ يمكنه أن يزدهر وبأن باستطاعة السلطة الفلسطينية الموازنة بين المصداقية المحلية وكونها مقاول إسرائيلي لحفظ الأمن، وجميعها تحت ظروف من الاحتلال المستمر والعدائي الأجنبي. وهذا أمر لن ينجح.
ثالثاً، بدأت أوسلو حياتها كعملية تفاوضية ثنائية إسرائيلية فلسطينية (كان النرويجيون مضيفين ممتازين وفاعلين، ولكنهم لم يكونوا فاعلين في عقد صفقة). إلا أنه عندما يعود الأمر إلى الوصول إلى نتيجة نهائية حول الأمور الصعبة، مثل الحدود النهائية وكيفية تقسيم القدس ولغة بارعة حول موضوع اللاجئين، من المستبعد أن تستطيع الأطراف، بسبب الأحمال السياسية الثقيلة التي تحملها، أن تفعل ذلك وحدها. إلا أن أحداً لم يستطع أن يحمل الأطراف بنشاط عبر خط النهاية.
وأخيراً كانت أوسلو وما أنتجته من جهود السلام زائدة في آمالها في تحقيق صفقة إسرائيلية فلسطينية بمعزل عن التطورات الإقليمية الأوسع في الشرق الأوسط. لدى مسار سوريا أثره، وتشكل إدارة إيران عاملاً هاماً، كما هو شعور دول الخليج وغيرها من الدول العربية السنية. لم يكن هناك جهد إقليمي شامل بقيادة الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي.
أضف إلى ذلك كله أن إطار أوسلو القائم كان مجهزاً بطريقة سيئة للتعامل مع ظهور سياسة ديمقراطية متعددة الأحزاب في فلسطين. ليس بالضرورة أن يعني الفوز السياسي لحماس نهاية حل الدولتين، ولكن يمكن للأسلوب الذي أُديرت فيه قضية حماس أن يعطي هذه النتيجة.
أشركت إدارة الرئيس بوش من خلال جهودها في أنابوليس عدداً زائداً من هذه المعوقات المتأصلة هيكلياً. سوف تكون تجربة وإغراءات الحكومة الأميركية الجديدة محاولة سنة سادسة عشرة جديدة، ومن ثم سنوات أخرى من التوجه نفسه. قد تأتي إدارة جديدة بحماسة أعظم وطاقة أشد، وقد تقوم حتى بتعيين مبعوث، إلا أن النتائج سوف تكون على الأرجح عادية مثل كونها غير مشجعة، في غياب تعديل هيكلي رئيسي. تعاني عملية أوسلو في سنوات مراهقتها هذه من قانون المردود المتلاشي، حيث يجري استهلاك الثقة مع كل تحول غير ناجح، وتلطيخ البراغماتية وزيادة تمسّك التشاؤم المتهكم.
يحافظ حل الدولتين على مرونة وصمود ودعم شعبي له قيمته، لولا انعدام جاذبيته وانعدام البدائل الجذابة. إلا أنه حتى هذه المرونة لا يمكنها الصمود أمام المزيد من الفشل والنكسات، الأمر الذي يترك إسرائيل وحليفها الأمريكي والفلسطينيين والمنطقة كلها بشكل محتمل دون حلول متوسطة المدى يمكن تحقيقها.
بعد 15 سنة هناك حلول أصبحت ملحّة وضرورية وكاد وقتها أن ينفذ: الحدود النهائية ضرورية (لا تعمل الحلول المستدامة وبناء المؤسسات الفلسطينية تحت الاحتلال). سوف تتطلب الحلول توجهاً شمولياً على مستوى المنطقة (خاصة مع سوريا وحماس)، ويتوجب على سحب الاحتلال فعلياً أن يبدأ من الأمام، مع توفير ضمانات إقليمية ودولية أمنية لإسرائيل، تتجسد بوجود فعلي للقوات العسكرية. ويمكن لذلك كله أن يدار من الخارج، ومن قبل الولايات المتحدة. قد يكون استيعاب هذا الواقع والتصرف بناء عليه الأسلوب الوحيد على الأرجح لتطبيق رؤية أوسلو المتلاشية لحل الدولتين.
###
* دانيال ليفي زميل كبير ومدير Prospects for Peace في مؤسسة القرن Century Foundation وقد عمل في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي كمستشار خاص في إدارة إيهود باراك وكان عضواً في الوفد الإسرائيلي الرسمي المفاوض في محادثات أوسلو ب وطابا، والكاتب الإسرائيلي الرئيسي لمبادرة جنيف. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من Prospects for Peace.
مصدر المقال: Prospects for Peace، 29 أيلول/سبتمبر 2008
www.prospectsforpeace.com